الحضارة هى أوربا (الجزء الثالث)



الحضارة هى أوربا (الجزء الثالث)

أما المواطن المصري العزيز إلي القلب فلسوف يخرج من هذا الكتاب وهو لا يحمل في قلبه من الفخر الا قليلاً، ولسوف ينتابه إحباطاً شديداً وحزناً متصلاً لأنه لن يبلغ ذروة الفخر التي بلغها المواطن السعودي ولن يشعر بفخر المواطن الألماني ولن يصل إلي زهو المواطن البريطاني ولن يظفر باعتزاز المواطن الفرنسي والأمريكي والايطالي ولا حتي أبهة المواطن النمساوي واليوناني والسويسري لأنه سيحتاج إلي آلة زمن يرجع بها ثلاثة آلاف سنة ومائة عام كي يري "مينا نارمر" وهو يوحد القطرين ويشعر بنشوة الفخر وجلال الزهو وذروة العظمة وتضئ في عينه أنوار الأبهة، وإذا عاد مرة اخري إلي عصره سيشعر بلا بشئ فلم يخترع له مينا المصباح الذي يضرب في عينيه فيري، ولم يصنع له كاميرات سوني فيتصور، ولم يطرح له نظرية النسبية فيدرك صورة الكون، ولم يكتشف له الكهرباء ليطعم اجهزته فتهتز وتضئ وتتحرك، ولذلك وفق المؤلف حينما قذف مينا نارمر في المرتبة التسعين!! وهو المقعد المناسب لأن لا أثر لمينا الا نقوش وكتابات هيروغليفية وصور تذكارية له تتفرج عليها السياح ويدرسها طلاب كلية الآثار كي يحيطون بها علماً ثم يشرحونها للسياح لا أكثر، والحضارة الفرعونية التي لا يزال المواطن المصري العزيز يتشدق بها في كل مكان يروحه ويلقي عليها الثناء والبهاء والجلال ترقد تحت الرمال، والاهرامات التي يفتخر بها تذوب ببطء في مياه الزمن ومثلها المعابد والمساجد القديمة والقلاع، ولعل المواطن المصري لم يفهم بعد معني الحضارة.. الحضارة هي ان تبني وتصنع وتشيد فتتقدم الي الأمام.. الأمام البعيد الذي لا يعيقه عائق ولا يوقفه موقف فلكي يفتخر المواطن المصري بحضارته الفرعونية حقاً يجب الا تكون هناك حاجه الي الة زمن كي يري ذروة حضارته القديمة وانما يجب ان يري في دولته الحضارة متجلية آنية ويبصر امامه التقدم والازدهار بعينه اولاً، ولكن هيهات لازالت الراقصة في مصر تكسب اكثر من العالم ولا زال شعبها يقدس الممثل والمغني ولاعب الكورة ويهجر العالم ورجل الدين، ولأوربا خير مثال علي الحضارة فهي لا تتفرج علي التلفزيون فقط وانما تصنعه ولا تسمع الراديو فقط وانما تصنعه ولا تتصور بالكاميرات فقط وانما تصنعها ولا تقدس الفن فقط وانما تصنعه ولا تنظر الي التقدم فقط وانما تصنعه في استمرار وآنية وأبدية..الحضارة اليوم اصبحت علماً وصناعة وتكنولوجيا ومقدرة اقتصادية وتنمية، وما الصناعة والتكنولوجيا والمقدرة والاقتصاد والتنمية الا في أوربا، وإنما الحضارة تصب في أوربا وتنبع من أوربا ولذلك "الحضارة هي اوربا" وليست الحضارة هي الفرعونية او السومرية او البابلية.
والسؤال الذي يبرز الي الذهن لماذا كانت الدول العربية اكثر تقدماً من الغرب ثم انحدرت فاصبحت دول متخلفة اكثر تأخراً؟ فقد كان علماء العرب امثال الخوارزمي وجابر بن حيان وابن سينا اعظم النابهين انذاك وكانوا يصدرون العلم الي الغرب الذي كان متخلفاً في اعلي درجات السفول!! ثم استثمر هذا العلم وشيد به حضاراته.
اذا قال لك ساذج سطحي ان سبب انحدار العالم العربي هو اننا لا نطبق الاسلام فلتفحمه ولتقل له ان امريكا اقوي دولة في العالم ولا تعرف الإسلام فى شئ والشعب البريطانى يعلق فى شوارعه لافتات تقول "كيل ءول مسلم" مع أن بريطانيا تقع ضمن أقوى بلاد العالم. 
إنه انما نحن عرفنا ظاهر الإسلام وسطحيتة ونسينا جوهره فأصبحنا نقضي معظم حياتنا نفتش ونبحث هل ازالة اللحية حرام؟ هل اخذ الشعيرات التي تفصل بين الحاجبين حرام؟!! هل يجب ان استاك بالسواك؟! وهذه هي السطحية والرجعية بعينها، والحلول المتاحة لإقامة حضارة تشعرنا بنشوة الفخر وتبعث فينا شماخة الحضارة القديمة هي اتباع سياسة التعصير او التغريب اي جعل دولتنا عصرية كما فعل ماوتسي تونج الصيني وحول الصين الي دولة عصرية تضاهي الدول العظمي وكما فعل بطرس الاكبر في روسيا فلقد حول روسيا الي دولة غربية بعد رحلته التي قضاها في بلاد الغرب والتي ادار فيها حواسه علي الأنظمة والدساتير والسياسات السائدة ثم عاد الي بلدته وهو يحمل لها في عقله سياسات الغرب المتقدمة وما تبقي له الا سياسات التطبيق وما أسهل التطبيق، وما تبقي لنا نحن إلا التطبيق ايضاً، ولكن صفات تأصلت في نظامنا الحاكم مثل الرجعية والجمود تقف امام التطبيق سداً وعائقاً، وضربت بجذورها في كل وزير فإذا طرحت علي وزير التعليم مثلا اقتراحاً بتحويل نظام التعليم الي نظام التعليم الالماني سيقول لك وهو ينظر إليك من برج ايفل "نحن لا يمكن ان نقلد نظام اوربي مهما كان الامر" وكأن نظامه التعليمي حصد جوائز العالم الذهبية حتي لم يتبق ذهب في المناجم!!، والانسب هنا ان يقول لك الحقيقة وأن الجمود والرجعية والروتين جعل مثل هذه القرارات مستحيلة التنفيذ، وتبقي الإجابة معلقة ولعل انسب الاجوبة ترقد في كلمات الدكتور مصطفي محمود -رحمه الله- وتعتبر رسالته فى الحياة وهى "لن تستطيع ان تحكم غيرك الا اذا حكمت نفسك اولاً ولن تقوي علي تغيير امة وانت عاجز عن تغيير نفسك قد يطول المشوار ولكنه السبيل الوحيد وهو الكفيل بتربية الجيل المسلم الذي سوف يخرج منه الطلائع التي سوف تقود حينما يجئ الوقت" والرسالة هنا تشير الي اصلاح الذات اولاً..ولو كان بإمكاني ان اشرح رسالته تلك في عقول العالم العربي اجمع لشرحتها ولكن كما قال ((مازلنا ننادي عليهم ان يسمعوا، ولكننا ننادي من مكان بعيد))..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صور.. أجمل فتاة في العالم يتابعها أكثر من 3 مليون شخص

إنَّ قطعة الخبز تبدو لنا دائما أكبر مما هي في الواقع، حين نراها في يد غيرنا.